الفصل الثالث:

سياستان :
لا تلتقيان . .


( 126 )


( 127 )

الخليفة الثاني وسياسة التمييز العنصري :
إنه عدا عن اننا نجد اتهاماً صريحاً موجهاً من قبل العباس بن عبدالمطلب إلى عمر بن الخطاب ، بانه كان ينطلق في مواقفه من أبي سفيان حينما طالب بقتله في فتح مكة من الروح القبلية والتعصب لعشيرته ، فقد قال له العباس: مهلا يا عمر ، أما والله ، ان لو كان من رجال بني عدي بن كعب ما قلت هذا ، ولكنك عرفت: انه من رجال بني عبدمناف (1).
نعم.. عدا عن ذلك ، فان لدينا الكثير من النصوص التي تدل على أنّ الخليفة الثاني كان يصر على تمييز العرب على كل من عداهم ، وأن كل همه كان منصرفاً إلى تأكيد ذلك وتثبيته؛ ليكون سياسة متبعة بعده ، يأخذها الخلف عن السلف.
ومن جهة اُخرى فإنه كان يبخس غير العرب حقوقهم ، ويمتهن كراماتهم ، ويعتدى على شخصيتهم في سياساته ، وتشريعاته ، ومواقفه ، في الظروف ، والمناسبات ، والاُحوال المختلفة.
ولبيان طرف من ذلك نشير إلى سياساته هذه في مجالين :
____________
(1) حياة الصحابة ج1 ص154 عن مجمع الزوائد ج6 ص167 وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح والبداية والنهاية ج4 ص291 عن البيهقي.
( 128 )

المجال الاوّل : تفضيل العرب :
فبالنسبة إلى سياسته في تفضيل العرب ، فاننا نشير إلى ما يلي :
إن من كلماته المعروفة والمأثورة عنه ، قوله: « ليس على عربي ملك» (1).
ويقول : « إنّي كرهت أن يصير السبي سنة على العرب» (2). وقد اعتق سبي اليمن ، وهن حبالى ، وفرق بينهن وبين من اشتراهن (3).
واعتق كل مصل من سبي العرب ، وشرط عليهم : أن يخدموا الخليفة من بعده ثلاث سنين (4).
وكان في وصيته: أن يعتق كل عربي في مال ا‏لله. وللامير من بعده عليهم ثلاث سنوات ، يليهم مثلما كان يليهم عمر (5).
ولا ندري سرّ هذا الشرط ، ولا مبرراته بالتحديد ، إلا إذا كان يقصد خليفة معينا لديه ، يعدّ العدة لفرضه على الناس ، عن طريق اختراع شورى الستة اشخاص ، الذين اختارهم بعناية فائقة ، مما جعله يطمئن إلى حقيقة النتيجة ، التي سوف ينتهون إليها.
وحدد فداء العربي مقداراً معيناً من الإبل ، ولكن ما حدده قد اختلف أيضاً (6) ولعل ذلك يرجع إلى أنه قد تقلب رأيه وتبدل من وقت الآخر..
____________
(1) الاموال ص197 و198 و199 والايضاح ص249 وقضاء أمير المؤمنين علي عليه السلام ص264 عنه وتاريخ الامم والملوك ج2 ص549 ط الاستقامة وسنن البيهقي ج9 ص73 و74 ونيل الاُوطار ج8 ص150 ، والمسترشد في امامة علي عليه السلام ص115 وراجع المصنف للصنعاني ج10 ص103 ـ 105 وج7 ص278 و279 والنظم الاسلامية لصبحي الصالح ص463.
(2) تاريخ اليعقوبي ج2 ص139.
(3) الايضاح ص249.
(4) راجع : المصنف لعبدالرزاق ج8 ص380 و381 وج9 ص168.
(5) راجع المصنف للصنعاني ج8 ص380 و381 وج9 ص168.
(6) راجع في ذلك : المصنف للصنعاني ج10 ص104 و302 و103 وج7 ص278 و279 وتاريخ الامم والملوك ج2 ص549 ط الاستقامة وغير ذلك.

( 129 )

ولذلك نظائر في آرائه وفي قراراته ، كما في بعض مسائل الارث (1).
ومما يروي عنه: أنه لما ولي قال: إنه لقبيح بالعرب أن يملك بعضهم بعضاً ، وقد وسع الله عزّوجل ، وفتح الاُعاجم ، واستشار في فداء سبايا العرب في الجاهلية والاسلام ، الاّ امرأة ولدت لسيدها... إلخ (2).
ورد سبي الجاهلية ، واولاد الاماء منهم احراراً إلى عشائرهم ، على فدية يؤدونها إلى الذين اسلموا وهم في أيديهم ، قال: وهذا مشهور من رأيه (3).
كما أنه قد أمر بردّ سبي مناذر ، وكل ما أصابوه منهم ، على اعتبار : أنها من قرى السواد (4).
وردّ سبي ميسان ، رغم أن بعضهم قد وطأ جاريته زماناً ، فردّها ولا يعلم إن كانت حاملاً منه أم لا (5).
وكان إذا بعث عماله شرط عليهم شروطاً منها: « .. لا تضربوا العرب؛ فتذلوها ، ولا تجمروها فتفتنوها ، ولا تعتلوا عليها ؛ فتحرموها» (6).
كما أنه قد أخذ من نصارى بني تغلب العشر ، ومن نصارى العرب نصف العشر (7).
ولعل سياسة عمر هذه ، هي التي دفعت البعض ، لان يبادر إلى نسبة بعض الاقوال إلى رسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ، تتضمن الاُمر بحب العرب ،
____________
(1) راجع : الغدير ج6.
(2) راجع : الكامل في التاريخ ج2 ص382 وتاريخ الاُمم والملوك ط الاستقامة ج2 ص549 وقضاء أمير المؤمنين علي عليه السلام ص 263 / 264 .
(3) الاموال ص197.
(4) الاموال ص205 وفتوح البلدان ص 465.
(5) الاموال ص205.
(6) راجع: المصنف للصنعاني ج11 ص325 وتاريخ الامم والملوك ط الاستقامة ج3 ص273 والمسترشد في امامة علي بن أبي طالب ص115 ومستدرك الحاكم ج4 ص439 وحياة الصحابة ج2 ص82 عن كنز العمال ج3 ص148 عن البيهقي عن ابن أبي شيبة والنظم الاسلامية ص310 وعن البيهقي ج9 ص39 وج1 ص279 .
(7) المصنف للصنعاني ج6 ص99.

( 130 )

وتحذر من بغضهم (1).
وبعضها يدعي ان النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قد اختص سلمان بالنهي عن بغض العرب (2).
كما أن سياسة عمر هذه تجاه العرب ، لعلها هي التي جعلته يأمن جانبهم ، حتى إنه ليقول : « قد كنت أظنّ : أن العرب لن يقتلني» (3) وفي لفظ آخر : « ما كانت العرب لتقتلني » (4).

المجال الثاني : تجني الخليفة على غير العرب :
أما رأي عمر وسياساته تجاه غير العرب ، فرغم أنه هو نفسه يقول : « إني تعلمت العدل من كسرى ، وذكر خشيته وسيرته» (5).
ولم يتعلم ذلك من أي شخصية عربية ، حتى من النبيّ الاعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم .
ورغم أننا لا نجد في سيرة كسرى هذا العدل المدعى ، الذي تعلمه عمر ، ولا تلك الخشية التي نسبها إليه !! وإن كنا ربما نجد اليسير من الظواهر الخادعة ، التي تخفي وراءها الكثير من الظلم والجور ، والفساد ، والقسوة..
نعم.. إننا رغم ذلك نجد سياسة عمر تجاه غير العرب قد كانت قاسية وظالمة ، وليس فيها ما يصحح وصفها بالعدل والإنصاف..
هذه السياسة التي طبقها الامويون بعده بحذافيرها ، واستمرت آثارها
____________
(1) راجع على سبيل المثال : ذكر أخبار اصبهان ج1 ص99 وكشف الاستار ج1 ص51 ولسان الميزان ج1 ص354 واقتضاء الصراط المستقيم ص148 و149 و158 و157 و156 و155 وتاريخ جرجان ص539 والعقد الفريد ج3 ص324 وميزان الاعتدال ج1 ص185 ومجمع الزوائد ج10 ص27 وج1 ص89 عن البزار والطبراني في الاوسط وحياة الصحابة ج2 ص415 وضحى الاسلام ج1 ص76.
(2) راجع : المصادر المتقدمة ، فان بعضها قد ذكر ذلك.
(3) المصنف للصنعاني ج5 ص476.
(4) تاريخ عمر بن الخطاب ص240 .
(5) أحسن التقاسيم ص18.

( 131 )

تتفاعل ، وتتلاقح قروناً من الزمن بعد ذلك ، بل إننا لا نزال نجد هذه الاکثار تظهر بصورة أو باخرى حتى يومنا هذا ، حسما المحنا إليه ..
ونحن نذكر فيما يلي بعض النصوص التي توضح هذه السياسة ، وهي التالية :

سياسات الخليفة بالتفصيل :
1 ـ تحريم المدينة على غير العرب :
« كان عمر لا يترك أحداً من العجم يدخل المدينة..» (1).
وحين طعن عمر ، وعنف ابن عباس ، لحبّه وأبيه كثرة العلوج بالمدينة ، قال له أن شئت فعلت ؛ أي قتلناهم . قال : كذبت . بعد ما تكلموا بلسانكم ، وصلوا إلى قبلتكم ، وحجوا حجكم ؟! (2).

2 ـ بيع الجار النبطي :
وقد نقل المأمون العباسي : أن عمر بن الخطاب كان يقول : من كان جاره نبطياً ، واحتاج إلى ثمنه فليبعه (3).

3 ـ لاقود لغير العربي من العربي :
وقد طلب عبادة بن الصامت من نبطي : أن يمسك له دابته ، فرفض ،
____________
(1) مروج الذهب ج2 ص320 والمصنف للصنعاني ج5 ص474. وراجع : مجمع الزوائد ج9 ص75 عن الطبراني ، وطبقات ابن سعد ط صادر ج3 ص349 والمجروحون ج3 ص350 وحياة الصحابة ج2 ص29 وتاريخ عمر بن الخطاب ص238 و241.
(2) تاريخ عمر بنا الخطاب ص243.
(3) عيون الاخبار لابن قتيبة ج1 ص130 وكتاب بغداد لطيفور ص38 | 40 ط سنة 1388 هـ. والمحاسن والمساوي ج2 ص278 والزهد والرقائق ، قسم ما رواه نعيم بن حماد ص52 ومحاضرات الادباء ج1 ص 350 ، وقضاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ص264 عن ابن قتيبة ، والحموي ، وراجع : الايضاح لابن شاذان ص486.

( 132 )

فضربه عبادة؛ فشجه ؛ فأراد عمر أن يقتص له منه؛ فقال له زيد بن ثابت :
أتقيد عبدك من أخيك؟.
فترك عمر القود ، وقضى عليه بالدية (1).

4 ـ زيّ العجم :
وقد كتب عمر إلى من كان مع عتبة بن فرقد بآذربايجان : « .. وإياكم والتنعم ، وزيّ العجم» (2).
وليس ذلك لاجل أن في ذلك تشبهاً للمسلم بغير المسلم ، فانه لم يكن بينهما هذا التمايز الواضح في الزي ، بحيث يعدّ هذا زيّ مسلم ، وذاك زيّ كافر ، فإن الناس كانوا يتوافدون على الدخول في الاسلام من جميع الامم ، وما كانوا يؤمرون بتغيير زيّهم إلى زيّ آخر خاص بالمسلمين..
بل لقد ادعى ابن تيمية : ان الشريعة حين تنهى عن مشابهة الاعاجم ، دخل في ذلك الاعاجم الكفار والمسلمون معاً (3).

5 ـ رطانة الاعاجم ، ونقش الخاتم بالعربية :
وعن عمر بن الخطاب ، أنه قال : « لا تعلموا رطانة الاعاجم» (4).
وسمع ـ وهو يطوف ـ رجلين خلفه ، يرطنان؛ فالتفت إليهما ، وقال : ابتغيا
____________
(1) تهذيب تاريخ دمشق ج5 ص446 وتذكرة الحفاظ ج1 ص31 وسنن البيهقي ج8 ص32 وسير اعلام النبلاء ج2 ص440 وكنز العمال ج7 ص303.
(2) السنن الكبرى ج10 ص14 والمصنف للصنعاني ج11 ص86 وحياة الصحابة ج2 ص801 عن كنز العمال ج8 ص58 عن البيهقي ، وعن أبي ذر الهروي في الجامع.
(3) راجع : اقتضاء الصراط المستقيم ص162.
(4) السنن الكبرى ج9 ص234 وراجع : المصنف للصنعاني ج1 ص411 واقتضاء الصراط المستقيم ص205 و199 عن مصنف ابن أبي شيبة ، والتراتيب الادارية ج1 ص205 و206.

( 133 )

إلى العربية سبيلاً (1) .
وعنه أنه قال : تعلموا العربية؛ فانها تزيد في المروءة (2).
فاذا كان التكلم بالعربية يزيد في المروءة بزعمه؛ فان التكلم بالفارسية يوجب ذهاب المروءة بنظره أيضاً.
فقد رووا عنه قوله : « من تكلم بالفارسية؛ فقد خبّ ، ومن خبّ ذهبت مروءته» (3).
قال الكتاني : وقد استفسد ابن رشد ما جاء عن مالك ، وعن عمر ، من ذم تعاطي لغة الاعاجم (4).
وبعد.. فان الخليفة قد نهى أيضاً ؛ أن ينقش في الخاتم بالعربية (5) ولعله ترفعاً باللغة عن الابتذال!!

تحفظ لابد منه :
وبعد.. فاننا نعتقد : أن أبا هريرة أراد التزلف إلى الخليفة وإلى من يسيرون على خطه ، ويتبعون سياسته ، حينما روى الحديث المرفوع : « أبغض الكلام إلى الله الفارسية» (6).
وذلك لاُن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قد تكلم بالفارسية مع أبي
____________
(1) المصنف للصنعاني ج5 ص496 | 497 وتاريخ جرجان ص486.
(2) ربيع الابرار ج3 ص545.
(3) ربيع الابرار ج1 ص796 وتاريخ جرجان ص486 واقتضاء الصراط المستقيم ص205 وراجع ص206 عن مصنف ابن أبي شيبة.
(4) التراتيب الادارية ج1 ص205.
(5) راجع : طبقات ابن سعد ط صادر ج4 ص176 وج6 ص41 وط ليدن ج7 ص11 والفائق ج2 ص349 و350 وراجع : جامع البيان ج4 ص40.
(6) لسان الميزان ج1 ص406 وميزان الاعتدال ج1 ص230 والمجروحون ج1 ص129.
وذكر في : اقتضاء الصراط المستقيم ص205 نسبة الرواية التالية إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم : « من كان يحسن: أن يتكلم بالعربية؛ فلا يتكلم بالفارسية ، فانه يورث النفاق» .

( 134 )

هريرة بالذات (1) ، فضلاً عن موارد اخرى رويت عنه صلّى الله عليه وآله وسلّم ..
كما أننا لا نكاد نصدق ما يروى : من أن الملائكة حول العرش يتكلمون بالفارسية (2).

6 ـ ولاية المولى على العرب:
عن عبدالرحمان بن أبي ليلى ، قال : خرجت مع عمر (رض) إلى مكة؛ فاستقبلنا أمير مكة : نافع بن علقمة (رض) ، فقال :
من استخلف على أهل مكة؟
قال : عبدالرحمان بن أبزى (رض) .
قال : عمدت إلى رجل من الموالي ؛ فاستخلفته على من بها من قريش ، وأصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ؟.
قال : نعم. وجدته أقرأ للكتاب ، ومكة أرض مختصرة؛ فاحببت أن يسمعوا كتاب ا‏لله ، من رجل حسن القراءة.
قال : نعم ما رأيت ، إن عبدالرحمان بن ابزى ممن يرفع ا‏لله بالقرآن (3).
فنراه يعتبر : أن كونه من الموالي من موجبات ضعته ونقصه ، لولا أن رفعه ا‏لله بالقرآن.

7 ـ التفضيل بالعطاء :
وفيما يرتبط بتفضيله العرب على العجم في العطاء ، فانه أمر معروف ،
____________
(1) مسند أحمد ج2 ص390 والرصف ج1 ص83 وسنن ابن ماجة ، في الطب ، باب : الصلاة شفاء رقم 3458 والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص248 وقد ذكر تكلمه مع جابر بالفارسية أيضاً.
وفي المعجم الصغير ج1 ص214 ما يدل على أنه صلّى الله عليه وآله وسلّم كان يعرف الفارسية أيضاً ، فراجعه ، وراجع سواه.
(2) المجروحون ج1 ص232.
(3) حياة الصحابة ج3 ص150 عن كنز العمال ج5 ص216 عن أبي يعلى. والمصنف للصنعاني ج11 ص439 وفي هامشه عن مسلم ، وأبي يعلى ، ومنتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج5 ص216.

( 135 )

ومشهور أيضاً (1) فانه كتب الناس على قدر انسابهم؛ فلما انقضت العرب ذكر العجم (2).
قال ابن شاذان : « .. فلم تزل العصبية ثابتة في الناس ، منذ ذاك ، إلى يومنا هذا» (3).
وقد أجرى سياسة التمييز هذه حتى بالنسبة لنساء النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ، قال الجاحظ : « فضل القرشيات من نساء النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم على غيرهن» (4).
ويكفي أن نشير هنا إلى أنه قد أعطى جويرية ستة آلاف درهم ، بينما أعطى عائشة اثني عشر ألف درهم ، وقال : لا أجعل سبية كابنة أبي بكر الصديق (5).

8 ـ الكفاءة في النكاح :
أضف إلى جميع ما تقدّم : أنه نهى : أن يتزوج العجم في العرب ، وقال : لامنعن فروجهن إلا من الاكفاء (6).
وعند الجاحظ أنه قال : « زوجوا الاكفاء. وكان أشد منه (أي من أبي
____________
(1) راجع : شرح النهج للمعتزلي الحنفي ج8 ص111 والعثمانية للجاحظ ص211 والمسترشد في امامة علي عليه السلام ص115 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص153 | 152 وبهج الصباغة ج12 ص202 وتلخيص الشافي ج4 هامش 14 | 15 عن مصادر عديدة. وراجع : طبقات ابن سعد ج3 ص122 و212 216 والسنن الكبرى ج6 ص350 و349 ومجمع الزوائد ج6 ص3 و4 و6 وكنز العمال ج3 ص309 و315 وحياة الصحابة ج2 ص228 ـ 235 وتاريخ الامم والملوك. وليراجع كل مورد تحدث فيه المؤرخون عن تدوين الدواوين في عهد عمر بن الخطاب.
(2) راجع : اقتضاء الصراط المستقيم ص159.
(3) الايضاح ص252.
(4) العثمانية ص 211.
(5) أنساب الاشراف ، قسم سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ص442 وراجع : تاريخ الامم والملوك ج2 صد614.
(6) الايضاح ص 280 و286 وفي هوامشه عن عدد من المصادر ، وراجع : الاستغاثة ص45 والمسترشد في امامة علي عليه السلام ص114 والسنن الكبرى ج7 ص133 والمصنف للصنعاني ج6 ص152 =

( 136 )

بكر) في أمر المناكح» (1).
وصاروا يفرقون بين العربية والموالي (2).
وقد انعكس ذلك على الفقه أيضاً ، فقد : قالت الحنفية : « قريش بعضها اكفاء لبعض ، ومن كان له أبوان في الاسلام فصاعداً من الموالي ، فهم اكفاء (3).
وفي التذكرة : أن الحنفية ، وبعض الشافعية ، قد أفتوا بأن العجم ليسوا اكفاء للعرب. أما الثوري ، فكان يرى التفريق بين المولى والعربية وشدد فيه وله فتاوى عجيبة اخرى لا مجال لذكرها هنا (4).
وقال ابن رشد : « قال سفيان الثوري وأحمد : لا تزوج العربية من مولى ، وقال أبو حنيفة واصحابه : لا تزوج قرشية إلا من قرشي ، ولا عربية الا من عربي» (5).
كما ويلاحظ هنا : أنهم قد وضعوا بعض ما يسمى بالروايات ، ونسبوها الى النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم (6).
ونكاد نظن : أن الخليفة الثاني ، قد استفاد ذلك من كسرى ، الذي تعلم منه العدل أيضاً .. وذلك لان أنوشيروان اشترط على معدي كرب شروطاً ، منها : أن الفرس تزوج باليمن ، ولا تتزوج اليمن منها. وفي ذلك يقول الشاعر:

على أن ينكحوا النسوان منهم * ولا ينكحوا في الفار سينا (7)

____________
و154 وراجع : نفس الرحمان ص29 ومحاضرات الادباء ، المجلد الثاني جزء 3 ص208.
(1) العثمانية ص211.
(2) الايضاح ص286.
(3) الاسلام والمشكلة العنصرية ص67 عن الجامع الصغير لمحمد بن الحسن ص32 هامش كتاب الخراج لابي يوسف ط بولاق.
(4) راجع : المصنف للصنعاني ج6 ص154 وكلام أبي حنيفة في ضحى الاسلام ج1 ص77 وكلام الشافعية في كتاب : الاسلام والمشكلة العنصرية ص67 عن كتاب : التنبيه في الفقه الشافعي ص95. وراجع : اقتضاء الصراط المستقيم ص159.
(5) بداية المجتهد : ج2 ص351.
(6) راجع : كشف الاستار ج2 ص161 ومجمع الزوائد ج4 ص275.
(7) مروج الذهب ج2 ص56. ويلاحظ : أن الشطر الثاني غير مستقيم. ولعل الصحيح : وألاّ ينكحوا في الفارسينا.

( 137 )

وبعد .. فاننا نجد عمر بن عبدالعزيز الاموي يقتفي خطى عمر بن الخطّاب في هذا المجال؛ فهو يقول :
لا يتزوج من الموالي في العرب إلا الاشتر البطر ، ولا يتزوج من العرب في الموالي إلا الطمع الطبع ، وقال :

لا خير في طمع يهدي الى طمع * وغفة من قوام العيش تكفيني (1)

وقال الجاحظ : « وقالت الزنج للعرب : من جهلكم أنكم رأيتمونا لكم اكفاء في الجاهلية في نسائكم؛ فلما جاء الاسلام رأيتم ذلك فاسداً» (2).
وزعم الاصمعي ، قال : سمعت أعرابياً يقول لآخر :
أترى هذه العجم تنكح نساءنا في الجنة؟!
قال : أرى ذلك ـ والله‏ ـ بالاعمال الصالحة.
قال : توطأ ـ والله ـ رقابنا قبل ذلك (3).

9 ـ قرار يعجز الخليفة عن تنفيذه :
ولما ورد سبي الفرس إلى المدينة أراد عمر أن يبيع النساء ، ويجعل الرجال عبيداً للعرب ، وعزم على أن يحملوا الضعيف ، والشيخ الكبير في الطواف حو البيت على ظهورهم.
ولكن أمير المؤمنين عليّاً عليه السلام رفض ذلك ، وأعتق نصيبه ، ونصيب بني هاشم ، فتبعه المهاجرون والانصار ، ففات على عمر ما كان أراده (4).
____________
(1) الفائق ج1 ص353.
(2) رسائل الجاحظ ج1 ص197.
(3) الكامل للمبرد ج4 ص16.
(4) نفس الرحمان ج144 ودلائل الامامة ص81 و82 والبحار ج46 ص15 | 16 وج97 ص56 وج45 ص330 والمناقب لابن شهرآشوب ج4 ص48.

( 138 )

10 ـ محاولة استئصال غير العرب :
وقد أرسل عمر إلى أبي موسى الاشعري ، عامله بالبصرة حسب ما ورد في رسالة معاوية لزياد : « .. أعرض من قبلك من أهل البصرة ؛ فمن وجدت من الموالي ، ومن اسلم من الاعاجم قد بلغ خمسة أشبار ؛ فقدمه ؛ فاضرب عنقه» (1).
فشاور أبو موسى زياداً ، فنهاه زياد عن ذلك ، وأمره أن يراجع عمر في ذلك ، فكتب إليه ، وأرسل زياداً إليه بالكتاب ، فلم يزل بعمر حتى ردّه عن رأيه ، وخوفه فرقة الناس ، فرجع ..
وقال له : « مايؤمنك ، وقد عاديت أهل هذا البيت : أن يثوروا إلى علي ؛ فينهض بهم ، فيزيل ملكك؟ !» .
فكفّ عن ذلك.
ثم تذكر الرسالة سبب اقدام عمر على هذا الإجراء ، وهي امور هامة يجدر بالباحث الاطلاع عليها ، ويقول فيها أيضاً معاوية لزياد :
« .. فلو كنت يا أخي لم ترد عمر عن ذلك لجرت سنته ، ولا ستأصلهم ا‏لله ، وقطع أصلهم. وإذن.. لاستنت به الخلفاء بعده ، حتى لا يبقى منه شعر ، ولا ظفر ، ولا نافخ نار إلخ.. » (2).

11 ـ أوامر وقرارات لا تطاق :
وقد جاء في رسالة معاوية لزياد بن أبيه ، المشار إليها آنفاً : الاوامر والقرارات التالية:
« .. وانظر إلى الموالي ، ومن أسلم من الاعاجم؛ فخذهم بسنة عمر بن
____________
(1) سليم بن قيس ص142 وراجع: نفس الرحمان ص144 وسفينة البحار ج2 ص165.
(2) راجع: كتاب سليم بن قيس ص142 ـ 143 ونفس الرحمان ص144.

( 139 )

الخطاب ؛ فان في ذلك خزيهم وذلّهم:
ان تنكح العرب فيهم.
ولا تنكحوهم.
وأن يرثهم العرب.
ولا يرثونهم.
ولا تقصر بهم في عطائهم ، وأرزاقهم..
وأن يقدموا في المغازي : يصلحون الطريق ، ويقطعون الشجر.
ولا يؤم أحد منهم العرب في صلاة.
ولا يتقدم أحد منهم في الصف الاُول ، إذا حضرت العرب ، إلا أن يتموا الصف.
ولا تولّ أحداً منهم ثغراً من ثغور المسلمين ، ولا مصراً من امصارهم.
ولا يلي أحد منهم قضاء المسلمين.
ولا أحكامهم.
فان هذه سنة عمر فيهم ، وسيرته.. » .
إلى أن قال :
« .. وفي رواية اخرى : يا أخي لولا أن عمر سنّ دية الموالي على النصف من دية العرب ـ وذلك أقرب للتقوى ـ لما كان للعرب فضل على العجم.
فاذا جاءك كتابي هذا ..
فأذلّ العجم.
وأهنهم.
واقصهم.
ولا تستعن بأحد منهم.
ولا تقض له حاجة» (1).
____________
(1) راجع : كتاب سليم بن قيس ص140 و141 ونفس الرحمان ص144 وسفينة البحار ج2 ص165.
( 140 )

12 ـ الإرث :
قد أشير في الرسالة السابقة إلى أن عمر بن الخطاب قد قرر : أن العرب يرثون العجم والموالي ، ولا يرث هؤلاء اولئك ..
ولا يقتصر نقل ذلك عنه على ذلك النص ، فقد صرحوا بقولهم :
أبى عمر : أن يورِّث أحداً من الاعاجم إلا أحداً ولد في العرب (1) زاد رزين : أو امرأة جاءت حاملاً ؛ فولدت في العرب.. (2).
وهو قول عثمان وعمر بن عبدالعزيز أيضاً (3).

13 ـ تقليم أظفار العجم :
وكان ثابت بن قرة الحراني الصابي الفيلسوف يقول : « فضلت امة النبيّ العربي على جميع الامم الخالية بثلاثة لا يوجد في من مضى مثلهن :
بعمر بن الخطّاب في سياسته ؛ فانه قلّم أظفار العجم ، ولطف في ايالة العرب ، وتأتى لتدبير الحروب ، وأشبع لبطون العرب» (4).

14 ـ الحمراء والتجارة :
« .. وفي العتيبة : قال مالك : قال عمر بن الخطاب : عليكم بالتجارة ، لا تفتنكم هذه الحمراء على دنياكم. قال اشهب : كانت قريش تتجر ، وكانت العرب تحقر التجارة.
____________
(1) الموطا ج2 ص60 والغدير ج6 ص187 عنه. وبداية المجتهد ج2 ص351 وراجع : المصنف للصنعاني ج10 ص300 و301 وعن كنز العمال ج6 ، وتيسير الوصول ج2 ص188.
(2) تيسير الوصول ج2 ص188.
(3) بداية المجتهد ج2 ص351 وراجع : المصنف للصنعاني ج10 ص300 و301 عن عثمان وعمر وراجع : كنز العمال ج6.
(4) البصائر والذخائر ج1 ص195.

( 141 )

والحمراء يعني : الموالي .
وفي المدخل لابن الحاج : ورد أن عمر بن الخطاب دخل السوق في خلافته ؛ فلم يرفيه في الغالب إلاّ النبط ، فاغتم لذلك ؛ فلما أن اجتمع الناس أخبرهم بذلك ، وعذلهم في ترك السوق ؛ فقالوا : إن ا‏ اغنانا عن السوق ، بما فتح به علينا ، فقال (رض) : وا‏لله لئن فعلتم ليحتاج رجالكم إلى رجالهم ، ونساؤكم إلى نسائهم» (1).
هذه نظرة عمر إلى الموالى ، وهذا هو رأيه فيهم . بل لقد منعهم حتى من دخول السوق ! فقدر روي عنه : أنه قال : لا يدخل الاعاجم سوقنا حتى يتفقهوا في الدين (2).
ولا ندري إن كان قد اشترط على العرب أيضاً هذا الشرط أم لا؟
بل ان الظاهر من رواية العتيبة ، وابن الحاج : أنه كان لا يرغب في ان يرى الموالي في السوق ، يتجرون ، ويحصلون على المال دون العرب ؛ فموقفه نابع من حبه الخير للعرب ، دونهم . وقد رأينا فيما سبق كيف فضل العرب عليهم ، في العطاء ، وفي الزواج ، وفي ما سوى ذلك من امور.
وخطب عمر في الجابية ، فكان مما قال : « واياكم وأخلاق العجم .. إلى أن قال : واياكم أن تكسبوا من عقد الاعاجم ، بعد نزولكم في أرضهم . إلخ» (3).
وأخيراً .. فان ولده عبدا‏ ، الذي كان معجباً بأبيه ، ومتأثراً به الى حد بعيد ـ قد ورثه في احتقاره لغير العرب ، فقد روي : أنه مرّ على زنجي ؛ فقال له : السلام عليك يا جُعَل (4).
وبعد كل ما تقدم يتضح : ان ما روي من أن عمر بن الخطاب قد لام أبا موسى ، لانه حين قدم عليه قوم أعطى العرب منهم وترك الموالي (5) انما هو لان عدم
____________
(1) التراتيب الادراية ج2 ص20 وذكر في ص 21 نصوصاً اُخرى : فلتراجع.
(2) الترايب الادارية ج2 ص17.
(3) حياة الصحابة ج3 ص488 عن كنز العمال ج8 ص207.
(4) الطبقات الكبرى ، لابن سعد ج4 قسم ص117 ط ليدن .
(5) حياة الصحابة ج2 ص447 عن كنز العمال ج2 ص 319 و172.

( 142 )

اعطائهم شيئاً اصلاً من شأنه ان يثيرهم عليه ، ويصبح ذلك بداية مشكلات كبيرة قد لا يكون أبو موسى قادراً على مواجهتها ، وعليه .. . فلا يكون ذلك مخالفاً لرايه الذي ذكرنا بعض شواهده وأدلته.

سياسة علي عليه السلام مع غير العرب :
ونجد في مقابل هذه السياسة العمرية سياسة اخرى علوية ، فان سياسة علي عليه السلام جاءت لتجسد رأي الاسلام على أتم وجه ، واوفاه ، ويتضح ذلك بملاحظة ما يلي من نصوص :
1 ـ « قال مغيرة : كان علي عليه السلام أميل الى الموالي ، وألطف بهم ، وكان عمر أشدّ تباعداً منهم» (1) .
2 ـ كما أنه عليه السلام لم يكن يميز أحداً على أحد ، لا في العطاء ، ولا في غيره ؛ وذلك لانه لم يجد في القرآن لبني إسماعيل فضلاً على بني إسحاق على حد تعبيره في اجابته لتلك المرأة التي طالبته بأن يفضلها على اخرى غير عربية (2) .
وقد كان ذلك من أهم اسباب تقاعد العرب عنه.
وقد أشير عليه أن يميّز البعض على غيره ، من أجل أن تستقيم له الامور؛ فرفض ذلك؛ حيث إنه لم يكن ليطلب النصر بالجور ، على حد تعبيره صلوات ا‏لله وسلامه عليه (3).
____________
(1) الغارات ج2 ص499.
(2) راجع : الغارات ج1 ص70 ، وأنساب الاشراف (بتحقيق المحمودي) ج2 ص141 وسنن البيهقي ج6 ص349 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص183 والكافي (الروضة) ص69 وحياة الصحابة ج2 ص112 عن البيهقي ، والبحار ج41 ص137 عن شرح النهج للمعتزلي الحنفي ج1 ص215 ـ 217 والغدير ج8 ص240 وبهج الصباغة ج12 ص197 ـ 207 عن بعض من تقدم ، وعن مصادر اخرى وفي هامش الغارات عن : الوسائل ج2 ص431 ط أمير بهادر وعن ثامن البحار ص739.
(3) راجع : الامالي للشيخ المفيد ص175 | 176 والامالي للشيخ الطوسي ج1 ص198 | 197 والغارات =

( 143 )

وقد علمنا : أن من جملة ما نقمه عليه طلحة والزبير: أنه قد عدل عن سنة عمر بن الخطاب في العطاء وذلك معروف ومشهور (1).
2 ـ وسئل عليه السلام : أيجوز تزويج الموالي بالعربيات؟
فقال : تتكافأ دماؤكم ، ولا تتكافأ فروجكم؟! (2).
3 ـ وقد أتى الموالي أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام ، فقالوا : نشكو إليك هؤلاء العرب؛ إنّ رسول ا‏لله صلّى الله عليه وآله وسلّم كان يعطينا معهم العطايا بالسوية ، وزوّج سلمان ، وبلالاً ، وأبوا علينا هؤلاء ، وقالوا : لا نفعل..
فذهب إليهم أمير المؤمنين؛ فكلمهم ، فصاح الاعاريب : أبينا ذلك يا أبا الحسن ، أبينا ذلك.
فخرج وهو مغضب ، يجر رداءه ، وهو يقول : يا معشر الموالي ، إن هؤلاء قد صيروكم بمنزلة اليهود والنصارى ، يتزوجون منكم ، ولا يزوجونكم ، ولا يعطونكم مثل ما يأخذون؛ فاتجروا بارك ا‏لله لكم إلخ.. (3).
وواضح : أن ذلك قد كان قبل البيعة له عليه الصلاة والسلام بالخلافة..
4 ـ وقال الاشعث بن قيس لامير المؤمنين عليه السلام ، وهو على المنبر : يا أمير المؤمنين ، غلبتنا هذه الحمراء على قربك !
قال : فركض على المنبر برجله. فقال صعصعة : ما لنا ولهذا ـ يعني الاشعث ـ ليقولن أمير المؤمنين اليوم في العرب قولاً لا يزال يذكر !! ..
____________
ج1 ص75 وبهج الصباغة ج12 ص196 والوسائل ج11 ص82 | 81 والكافي ج4 ص31 وتحف العقول ص126 والامامة والسياسة ج1 ص153 ونهج البلاغة بشرح عبده ج2 ص10 وشرح النهج للمعتزلي ج2 ص197 و203 والبحار ج41 ص133 و134.
(1) راجع على سبيل المثال المعيار والموازنة ص114 | 113: المناقب لابن شهرآشوب ج2 ص111.
(2) الاستغاثة ص45.
(3) الكافي ج5 ص319 | 318 وراجع : سفينة البحار ج2 ص165 ونفس الرحمان ص30 والبحار ج42 ص160.

( 144 )

فقال علي عليه السلام : من يعذرني من هؤلاء الضياطرة (1) ، يتمرغ أحدهم على فراشه تمرغ الحمار ، ويهجّر قوم للذكر؛ فيأمرني أن أطردهم إلخ.. (2).
وتوقعات صعصعة ، التي تحققت ، تدل على أن ذلك كان معروفاً من رأي علي عليه السلام وطريقته.

ذرية علي (عليه السلام) تسير على نهجه :
وقد سار وُلد علي أمير المؤمنين عليه السلام وأهل بيته على نفس هذه السياسة أيضاً ، واعتمدوا عين هذا النهج ، ويكفي أن نذكر :
1 ـ أن السجاد عليه السلام قد أعتق ـ على ما قيل ـ خمسين ألفاً (3) ، بل قيل : أعتق مائة ألف.. (4).
2 ـ وأعتق مولاته ، ثم تزوجها ، فكتب إليه عبدالملك بن مروان يعيره بذلك؛ فأجابه بكتاب جاء فيه : « .. وقد رفع الله بالاسلام الخسيسة ، وتم به النقيصة ، وأذهب اللوم ؛ فلا لوم على امرىُ مسلم ، إنما اللوم لوم الجاهلية» .
____________
(1) الضيطر : هو الاُحمر ، العضِل ، الفاحش.
(2) راجع : الكامل للمبرد 2 ص62 والغارات ج2 ص499 | 498 وشرح النهج للمعتزلي الحنفي ج2 ص284 وج19 ص124 والفائق ج1 ص319 وكنز العمال ج4 ص397 عن ابن أبي شيبة ، والحارث ، وأبي عبيد ، والدورقي ، وابن جرير وصححة ، والبزار وغريب الحديث ج3 ص484 والنهاية ج3 ص87 وراجع : تفسير العياشي ج1 ص361 | 360 والبحار ج41 ص118 وتفسير البرهان ج1 ص527 وتفسير الثقلين ج1 ص598 | 597 وقاموس الرجال ج2 ص99 وبهج الصباغة ج13 ص400.
ومجلة نور علم سنة 2 عدد 6 ص 20 في مقال للعلامة المحقق الاحمدي الميانجي ، عن بعض من تقدم ، وعن نثر الدرر ج1 ص 299 | 300 وعن تهذيب الكامل للسباعي ج2ص 116 ةغت شرح الكامل للمرصفي ج4 ص 194.
(3) زين العابدين ، لعبد العزيز سيد الاهل ص47.
(4) المصدر السابق ص7.

( 145 )

وقد اعترف عبدالملك حينئذٍ : بأن السجاد يرتفع من حيث يتضع الناس (1).
وقد نسبت هذه القضية للامام الحسين مع معاوية (2) فلا بد من تحقق ذلك ، ولا مجال لذلك في هذه العجالة..
3 ـ وحسب رواية اخرى: ان السجاد تزوج ام ولد عمه الحسن عليه السلام ، وزوج مولاه امه (ونعتقد : أن المراد بها مرضعته ، لاُن امه قد توفيت ، في نفاسها به) (3).
فلما بلغ ذلك عبدالملك كتبه إليه في ذلك ، فكتب إليه السجاد :
فهمت كتابك ، ولنا اسوة برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ؛ فقد زوج زينب بنت عمه زيداً مولاه. وتزوج مولاته صفية بنت حيي بن أخطب (4).
وحسبنا ما ذكرنا ، فاننا لسنا بصدد تتبع ذلك واستقصائه ..

الرافد الاول والاساس :
وأخيراً .. فان من الواضح : أن سياسات التمييز العنصري ، سياسات غريبة عن الاسلام ، بعيدة كل البعد عن تعاليمه ، مناقضة لتشريعاته.
فهل تأثر روّاد هذه السياسة ، وحماتها بغيرهم ، ممن حرصوا عليها ، حرصهم على أنفسهم ، واعتبروها نهج حياة ، وأساس تعامل؟ !
____________
(1) البحار ج46 ص165 | 164 والكافي ج5 ص345 | 344 وراجع ص361 وأئمتنا ج1 ص287 و288 عن : زين العابدين لعبد العزيز سيد الاُهل ص60 . والعقد الفريد ج6 ص128 وعن المناقب لابن شهرآشوب ج3 ص300.
(2) الاسلام والمشكلة العنصرية ص66 | 65 عن : الموالي في العصر العباسي ص39.
(3) عيون أخبار الرضا ج2 ص128 والبحار ج46 ص8 و9.
(4) راجع : الكافي ج5 ص346 و361. البحار ج46 ص140 | 139 والاسلام والمشكلة العنصرية ص66 عن الموالي في العصر الاموي ص66.

( 146 )

الجواب : نعم..
إن الخليفة الثاني ، عمر بن الخطاب ، حينما أعلن عن آرائه وسياساته ، تجاه غير العرب ، وانتهج سياسة التمييز العنصري ، لم يكن في الحقيقة قد ابتدع أمراً جديداً من عند نفسه ، لم يكن من قبل.
بل لقد سبقه الى هذا الامر اليهود والنصارى؛ فلعله قد تأثر ببعض علمائهم ، الذين كانوا مقربين إليه ، وكان يرجع إليهم في كثير من القضايا الحساسة ، من امثال : كعب الاحبار ، وعبدا‏ بن سلام ، وتميم الداري ..
واليهود هم الذين قالوا : « نحن ابناء الله‏ وأحباؤه.. » (1).
وقال تعالى : « قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء ‏ من دون الناس فتمنوا الموت إلخ» (2). ونحن نذكر فيما يلي نماذج من النصوص العنصرية عند اليهود ، وخصوصاً في تلمودهم؛ فنقول :

نصوص عنصرية يهودية :
« قريب اليهود هو اليهودي فقط ، باقي الناس حيوانات في صورة انسان. هم حمير ، وكلاب ، وخنازير» .
« إذا ضرب امي اسرائليا ، فكانما ضرب العزة الالهية» « فالامي يستحق الموت» (3).
أأما كونهم شعب ا‏لله المختار ، فلان الله قد تزوج اسرائيل ، وسجل عقد الزواج بينهما ، وكانت السموات والارض شهوداً على هذا العقد (4).
« ولليهودي في الاعياد أن يطعم الكلب ، وليس له أن يطعم غير اليهود ، والشعب المختار هو اليهود فقط ، أما باقي الشعوب ، فهم حيوانات.
____________
(1) المائدة 18.
(2) الجمعة 6.
(3) الكنز المرصود ص66 ومقارنة الاديان (اليهودية) ص272.
(4) مقارنة الاديان (اليهودية) ص212 و213.

( 147 )

ويروي : أنه لما قدم بخت نصّر ابنته إلى زعيم اليهود؛ ليتزوجها ، قال له هذا الزعيم : إنّي يهودي ولست من الحيوانات إلخ..» (1).
وجاء في تلمود اورشليم ص (94) : ان النطفة المخلوق منها باقي الشعوب الخارجين عن الديانة اليهودية هي نطفة حصان (2).
ويلزم المرأة أن تعيد غسلها إذا رأت عند خروجها من الحمام شيئاً نجساً ، ككلب ، أو حمار ، أو مجنون ، او امي ، أو جمل ، أو خنزير» إلخ (3).
« خلق ا‏لله الاجنبي على هيئة الانسان؛ ليكون لائقاً لخدمة اليهود» (4).
إأن اليهود يعتبرون أنفسهم جزءاً من ا‏لله (5). بل يعتبرون أنفسهم مساوين للعزة الالهية (6).
« .. نحن شعب ا‏لله في الارض. وقد أوجب علينا أن يفرقنا؛ لمنفعتنا؛ ذلك أنه لاُجل رحمته ورضاه سخر لنا الحيوان الانساني ، وهم كل الامم والاجناس ، سخرهم لنا؛ لانه يعلم : أننا نحتاج إلى نوعين من الحيوان : نوع أخرس ـ كالدواب ، والانعام ، والطير ـ ونوع ناطق ، كالمسيحيين ، والمسلمين ، والبوذيين ، وسائر الامم من أهل الشرق والغرب؛ فسخرهم؛ ليكونوا مسخرين لخدمتنا ، وفرقنا في الارض؛ لنمتطي ظهورهم ، ونمسك بعنانهم إلخ.. » (7).
وفي بروتوكولات حكماء صهيون ، البرتوكول الخامس عشر ، والحادي عشر نصوص اخرى؛ فلتراجع.. هذا عدا عما سوى ذلك ، مما ورد في الموارد المختلفة.
وأخيراً .. فقد قال آدم متز : « كان أغلب تجار الرقيق في أوربا من اليهود .
____________
(1) مقارنة الاديان (اليهودية) ص272. الكنز المرصود ص67 و68 وعن : التلمود شريعة اسرائيل ص25.
(2) الكنز المرصود ص67 وراجع ص68.
(3) المصدر السابق.
(4) الكنز المرصود ص69.
(5) الكنز المرصود ص66 واليهود قديماً وحديثاً ص69 ومقارنة الاديان (اليهودية) ص272.
(6) الكنز المرصود في قواعد التلمود ص72.
(7) اليهود قديماً وحديثاً ص14 وتفسير الجواهر للطنطاوي ج2 ص136.

( 148 )

وكان الرقيق يجلب كله تقريباً من الشرق الادنى» (1).

تحريض يهوديّ مبطن :
وإذا كان اليهود قد ساهموا في حمل الحكام على اتباع هذه السياسة ، بصورة صريحة ، أو مبطنة ؛ فانهم ولا شك ، كانوا يرصدون الواقع ، ويرقبون الاحداث ؛ ويساهمون في توجيهها بحيث ، تصب في مصلحتهم ، ولا أقل ، من الاعداد لمنع حدوث أية مضاعفات تسيءُ إلى مواقعهم ، أو تحد من طموحاتهم..
ولا بدّ وأن يكونوا قد لاحظوا : أن أنباط يثرب كانوا أشد الناس على عثمان ، حين الثورة عليه ، كما سيأتي ، وأن انظار كل الناس ـ إبّان حصار عثمان وحين قتله ـ كانت متجهة صوب أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام ، حتى لقد اتجهوا إلى بيعته ، قبل أن يدفن الخليفة المقتول بشوق زائد ، ولهفة ظاهرة ، حتى وطىُ الحسنان ، وشق عطفاي ، على حد تعبير على عليه السلام نفسه ..
مع سابق علمهم ويقينهم بأن سياسة وطريقة علي عليه السلام في التعامل مع مسألة التمييز والتفضيل ، ومع غيرها من المسائل والقضايا ، هي التجسيد الحي لسياسة الرسول الاعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم وطريقته.
فلا بدّ وأن يعيد الامور إلى نصابها ، ويعطي كل ذي حق حقه ، ولسوف لا يرى فضلاً لبني إسماعيل على بني إسحاق ، ولا عكس ذلك ..
نعم .. إن اليهود ، واحبارهم ، الذين اظهروا الاسلام ، إذا كانوا يدركون كل ذلك ، فان من الطبيعي أن نجدهم يتحركون لتلافي الاخطار المحتملة ، فنجد الحبر اليهودي ، الذي اظهر الاسلام ، يظهر موقفه بأسلوب يستبطن اثارة المخاوف ، والتحريض على العصيان ..
____________
(1) الحضارة الاسلامية في القرن الرابع الهجري ج1 ص301.
( 149 )

فقد روي مسلم بن إبراهيم ، قال: أخبرنا سلام بن مسكين ، قال : أخبرنا مالك بن دينار ، أخبرني من سمع عبدا‏ بن سلام يقول يوم قتل عثمان :
« اليوم هلكت العرب» (1).
فهو يريد أن يثير حفيظة العرب ، بالتلويح بخسرانهم الامتيازات الظالمة ، التي منحهم إياها الحكم ، مع تحذير مبطن من أن الامور تتجه نحو تحكيم اولئك الذين لا يرون فضلاً لاُحد على أحد إلا بالتقوى والعمل الصالح ، فما على العرب إذن إلا أن يتحركوا ، وأن يدفعوا الاخطار المحتملة عن أنفسهم!!
وهكذا .. فان صانعي سياسة التمييز بين الناس ، يحاولون الآن استثمار جهودهم ، ونفث سمومهم ، وتسديد ضربتهم للمسلمين وللاسلام في الصميم ، فيثيرون عصبية العرب ضد غيرهم ، ويصوّرون لهم : أنهم في خطر أكيد ، وأمام عدو عنيد ، قد أصبحت الحرب معه حرباً مصيرية ، وأصبحت العداوة قائمة على الثأر الدم ، فهي إذن ثابتة وراسخة ، لن يستطيع أحد إطفاء نارها ، ولا التحرز من آثارها ..
وإلا .. فلماذا يهلك العرب إذا قتل عثمان ، ولا يهلك غيرهم من الناس ؟!
وما هذه الغيرة الشديدة من سليل بني إسرائيل على العرب ، وعلى مصيرهم ؟ !
____________
(1) طبقات ابن سعد ج3 ص81 ط صادر.